ما الذي يجب أن يفعله الغرب إزاء عرفات الأب؟؟

 

 بقلم : آفي دافيس 
لقد زال اثار احمرار الاوجه اليانعة لمظهر السلطة الفلسطينية الجديد. فبعد اقل من اربعة اسابيع على اعتراف ياسر عرفات بارتكاب اخطاء وتعهده باجراء انتخابات، تبدو السلطة الفلسطينية تحت عمليات الاصلاح - بالضبط كما بدا بيل كلينتون في اعقاب فضيحته مع مونيكا لوينسكي.

 فقد تم ارجاء الانتخابات الى اجل غير معلوم، ولم يعتقل الارهابيون، وتتواصل الهجمات الارهابية. تحت غطاء الفساد، وغياب القيادة، قد تتساءل الاذهان الغربية لماذا لا يخلص الفلسطينيون انفسهم من عرفات ويضعوا حدا للمافيا الظالمة التي جلبها من تونس الى الابد. لن يحدث ذلك ولسبب جيد، اذ لم تغير الحركات الشعبية اي نظام في الدول العربية، ونفذت غالبية الثورات في العالم العربي ومنذ الاستقلال من قبل الانقلابات العسكرية، ولم تكن خلفية استراتيجيات الثورات العربية عدم رضى المواطنين وانما كانت رغبة بعض الجنرالات في اقامة نظام دكتاتوري اشد ظلما.

 ومن الأمثلة على ذلك سوريا عام 1949، ومصر عام 1952، والعراق عام 1958، والجزائر عام 1965، أسست جميعها انظمة عسكرية ما زالت قائمة حتى يومنا هذا.

 وبالمقابل، فان القوة العسكرية الفلسطينية اما انها ضعيفة جدا واما ينقصها انه البعد الايديولوجي لعرفات. فقد انتفع معظم اعضائها ولسنوات طويلة من سلطة عرفات، ولأنه ما زال يسيطر على ثروات السلطة الفلسطينية، فمن المستبعد ان يتحدوه.

 عندما عرض الرئيس المصري جمال عبد الناصر على شعبه الاستقالة في اعقاب هزيمته في حرب الايام الستة، عمت المظاهرات العنيفة شوارع القاهرة، وتجمعت الحشود الغاضبة، الا انها لم تدع الى سجنه او محاكمته. ونادوا باعادة تنصيبه، وفي العراق بعد حرب الخليج، لم يحكم صدام حسين، الذي قاد شعبه الى هزيمة نكراء، سيطرته على الحكم فقط، وانما شجعه شعبه على ذلك.

 وتلعب الأمهات والبنات دورا استسلامياً في الهيكلية، ولهن تأثير ضعيف على مصير الاسرة. في التقاليد العربية، يفضل الاولاد على البنات، ويعود ذلك الى منح الاباء الشرف وتأمين موقعه في المجتمع. ومنذ الصغر، يعلم الاطفال على طاعة ابائهم واحترامهم بلا سؤال.

 وتقلد التقاليد السياسية تلك التركيبة الاجتماعية.

 وتنشط الدكتاتورية في العالم العربي بنفس الطريقة التي تنتعش فيها الاستبدادية في روسيا: القائد يمثل الرمز الابوي الذي يمارس سلطته غير المتنازع عليها لصالح الشعب.

 ولا يشك احد في ان فشل عرفات الدبلوماسي في كامب ديفيد في صيف عام 2000 ادخل السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في دوامة من اليأس - اولا في الاردن ومن ثم في لبنان، والان في عمق الاراضي الفلسطينية نفسها. فقد تحطمت بنيتها التحتية، وضعفت سلطتها. ولم يجلب عرفات لشعبه خلال العشرين شهراً الماضية سوى مزيدا من القتل والعزلة الدبلوماسية. ومع كل ذلك يبقى عرفات لدى العالم ولدى شعبه الزعيم الشرعي.

 وبالتالي، لا يوجد لدى عرفات اي دافع لاصلاح اي شيء. فهو يعلم ان اي تحريك لمفهوم الديمقراطية سيؤدي الى حتمية تحدي سلطته - التي هي ليست رمزه السياسي فقط وانما الاجتماعي ايضا.

 وبالنسبة لاسرائيل والغرب، فان جواب مسألة الاصلاح الفلسطيني غير موجود في ممارسة الضغط على عرفات لاصلاح السلطة الفلسطينية وتحويلها الى لوكسمبورغ. وانما يقع في توليد الشعور لدى الشعب الفلسطيني بان المسؤول عن معاناتهم ليس اسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا حتى الغرب وانما عرفات نفسه الذي خذلهم.

 وهذا ليس بالامر السهل، اذ يتطلب من الغرب مزيدا من الدعاية الاعلامية، ولكن من دون استراتيجية جديدة لتسخير الجماهير الفلسطينية، فانهم لن يحصلوا الا على المزيد من المستبدين، الذين يحملون مفاهيم سياسية وايديولوجية مشابهة لنظام ياسر عرفات الفاسد. الكاتب يعمل في مركز فريمان للدراسات الاستراتيجية ومسؤول مشروع الجامعة اليهودية "اسرائيل في الذهن العربي".

عن الجيروزاليم بوست العبرية

   07/06/2002

 

                                                                    عودة